منذ بداية العام 2024م، وأنا أدعو الله أن يرزقني وزوجتي حج بيته الحرام، ليس معي مال الحج، والأهم أن أسمائنا ليست ضمن الحجاج، والحرب قائمة، ومع ذلك لم أتوقف عن الدعاء، بعد كل صلاة، في الليل والنهار، في رمضان وبعده، واستمر حالي على ذلك حتى بلغنا عشر ذي الحجة، وهنا توقفت، هنا فقط توقفت مع أول ليلة من ذي الحجة، توقف الدعاء، فقد بدأت العشر وكنا ننتظر فيها رحمة وفرجاً، ولكن قدر الله وما شاء فعل.
أما الحج فلم أحزن؟ فلست مدرجا ضمن كشوفات الحجاج، وإذا كان هذا حالي، فماذا يقول المسجلون للحج، وهم يرون حجاج العالم يتوافدون إلى مكة المكرمة؟ وماذا يقولون وهم بانتظار هذه الأيام منذ سنوات؟ وهل بقي منهم أحد أم أنهم بين شهيد وجريح وأسير؟ وهل من بقي منهم حياً سيدرك العام المقبل ليكون ضمن وفد حجاج فلسطين؟ وهل يخرجون إلى الصعد فيلبون الله ﷻ، يا حجاج غزة وأهلهم وجيرانهم وكل أهل غزة من رضي منكم عن ربه فهنيئاً له، عودوا مغفوراً لكم، إن شاء الله.
لقد أعلنتم التلبية بقلوب صادقة، لبت نداء الله بالرباط والجهاد، وتخففتم من جميل الثياب ونظيفها، فكنتم مثل الحجيج بقلوب طاهرة وثياب رثه.
وطاف الحجاج بالبيت، وطفتم على الفقراء والأيتام والمساكين والأرامل وأصحاب الحاجات، وسعى الحجاج بين الصفا والمروة، وسعيتهم تبحثون عن الماء لأسركم، اقتداء بأصل ذلك الصنيع من السيدة هاجر -رضي الله عنها-، ووقف الحجيج بعرفة وفيها إعلان الثبات على الدين، ووقفتهم على أرضكم ثابتين فيها رافضين التنازل عنها، وأعلنوا براءتهم من الشيطان برمي الجمرات، وأنتم رجمتم الاحتلال بقلوبكم وما ملكت أيدي مقاومتكم، فأعلنتم لله ثم للعالم براءتكم من رجس الاحتلال ومؤيديه.
أفلا تكونوا حججتم بعد كل هذا؟ الفارق الوحيد بينكم وبين حجاج بيت الله الحرام، هو المكان فحسب، أما مقاصد الحج فقد ادركتموها كاملة، أفلا يكون الله قد غفر لكم، وأعطاكم أجر الحجاج، في ذهابهم وإيابهم، وذكرهم وأعمالهم، وبذلهم المال والجهد والوقت.
بحسن ظننا بالله وليس تألياً، نحسب أنه جازانا أفضل ما يجزى المحسنين، أفلم ندافع عن دينه -ونعوذ بالله أن نمن بذلك على ربنا، إنما ذلك بتوفيقه وفضله-؟ ألم نقف في وجه عدوه وعدونا مدافعين عن المسجد الأقصى والحرمين الشريفين؟ أليس الحجاج مدينون لنا بعبادتهم في الحرمين آمنين مطمئنين؟
أولا يعلمون أنه لو كسرت شوكتنا لطمع عدونا وعدوهم في الحرمين الشريفين؟
تساءلت كثيراً كيف سيحج المسلمون هذا العام؟ هل سيؤدون المناسك وكفى؟ أولا يدركون أن مناسك حجنا ليست منبته عن الدفاع عن أمتنا؟
كم كنت أتحرق غيظاً في السنوات التي حججتها، عندما لا يأتي خطيب عرفة على أحوال المسلمين في فلسطين وسوريا وميانمار، إن الحج عبادة قلبية وبدنية ومالية، فالقلبية براءة من الشرك والنفاق، والبدنية تحرر من كل عبودية الا لله تعالى، والمالية إنفاق لتقوية أواصر المسلمين، وتعزيز قوة الأمة ووحدتها، فإذا لم يكن لك ذلك من الحج، فيا أسفي على جهدك ووقتك ومالك، وارث نفسك فلست من الأحياء، أما من كان قلبه ولسانه مع إخوانه في فلسطين، فهنيئاً له بحياة قلبه، وسلامة معتقده، وقد رأينا مقاطع فيديو لبعض أولئك الكرام، الذين يدعون بحرقة لفلسطين وأهلها.
أما العيد.. ففي مثل هذا اليوم، كانت غزة تجود بأضاحيها مثلها مثل كل العالم الإسلامي، ومع أنها ليست الأغنى، فهي تعيش حصاراً منذ عام 2006، لكنها كانت تنافس أخواتها من المدن، على التقرب لله.
أما هذا العام فلم تستطع أن تهرق دم الأضاحي؛ لغلائها الكبير وندرتها، لكنها أهرقت الدم في سبيل الله، ليس دم الأنعام، إنما دم الإنسان، المكرم عند الله تعالى، أهريق الدم المكرم، إرضاء لله تعالى.
وما هو معنى الأضحية؟ هي ثلاث معان:
إنها معالجة شح النفس، بالبذل، ونفي الكبر على الفقراء، بالتودد لهم، وإلزام النفس بالاتباع بديلاً للابتداع، فمن بذل دمه وروحه في سبيل الله، راضياً محتسباً، فهل بقي من شح نفسه شيء؟
ومن احتسب وقته في قضاء حوائج الفقراء والأيتام وذوي الحاجات، فقد ذبح الكبر عند عتبات بيوت الضعفة والمساكين.
ومن امتثل أمر الله وأمر رسوله ﷺ، فرضى بقضاء الله وقدره، وثبت نفسه وغيره، فقد استكمل معاني الأضحية، وأرجو أن يكون بلغ أعلى مراتب التضحية في سبيل الله.
اترك تعليقاً