طفلة شاحبة اللون، وأخرى لا تستطيع الوقوف، وطفل بدت ساقاه دقيقتان، وبرزت عظام صدره. هؤلاء من ظلوا على قيد الحياة من أطفال غزة، أما من لم تحتمل أجسادهم الغضة، قرص الجوع، ففارقوا الحياة، وبلغ عددهم (57) طفلا، منذ بدء حرب الإبادة والتجويع، حسب مصادر طبية.
وحاليا يواجه خطر الموت، أكثر من 70.000 طفل، وصلوا إلى المستشفيات بسبب سوء التغذية الحاد، الناتج عن منع إدخال الحليب، كما أعلن المكتب الإعلامي الحكومي.

لم يكتف الاحتلال الإسرائيلي:

لم يكتف الاحتلال الإسرائيلي، بقتل الأطفال بصواريخه، بل يقتلهم اليوم بسلاح الجوع؛ إذ يغلق المعابر، منذ 2 مارس 2025، فيمنع دخول الغذاء والحليب والدواء والوقود، وحتى ندرك الخطر، فإن 9 أطفال من كل 10 في قطاع غزة، يعانون من فقر غذائي حاد، حسب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.
ولا أدري أي الموتين أصعب، الموت بالصاروخ، أم الموت جوعا، ومع شدة وصعوبة الميتة الأولى، لكن الثانية ربما تكون أشد، فهي ليست ميتة واحدة، بل إنها موت بطيء، يستمر ساعات وأياما، حتى يفقد الجسد قدرته على المقاومة، فيزداد هزالا، والوجه شحوبا، والأطراف برودة.


ذلك كله يحدث مع الطفل، وأمه أو أباه ينظر إليه بعجز، فلو كان الطعام أو الحليب موجودا، لذهب إليه ولو كان بعيدا، ولأنفق له المال، وإن كان فقيرا، فهو على استعداد لبيع روحه؛ لإنقاذ فلذة كبده، لكنه في هذا الموضع لن يستطيع، فكل الطرق مسدودة، أليس هذا هو القهر بعينه؟
ليس الأطفال وحدهم، من حاصرهم الجوع، فهناك سيدات ومنهن سيدات حوامل، يعانون من سوء التغذية، فحسب منظمة الصحة العالمية فإن 90% من النساء الحوامل والمرضعات في قطاع غزة يعانين سوء تغذية حاد.

رغيف الخبز:

لقد أصبح إيجاد رغيف الخبز، أمرا صعب المنال، أما الحصول على وجبة مكونة من الرز والعدس أو الفاصوليا، فهي حلم ربما لا يتحقق؛ بسبب سياسات التجويع الإسرائيلية، المتمثلة في إغلاق المعابر، وقصف المطابخ أو إغلاقها لنفاد مخزونها، وسرقة مخازن الطحين والطعام، من العصابات، وهذا أكدته منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، قائلة إن أكثر من 96 بالمئة من النساء والأطفال في غزة، عاجزون عن تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية.
حرب الإبادة كشفت تخاذل العالم، والتجويع يكشف خسته، فحرمان أكثر من مليوني فلسطيني، من الطعام والماء، تكشف انحطاط العالم وظلمه، فلا يجوع الإنسان أخيه الإنسان، ومن فعل ذلك فقد إنسانيته.

حالة غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائي


نحن نواجه حالة غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائي، فوفق وكالة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية(OCHA) فإن أكثر من مليوني شخص يواجهون نقصًا حادًا في الغذاء، في ظل الأسعار الخيالية؛ فسعر كيس الطحين (25 ك) بلغ نحو 500 دولار، مقارنة بـ7 دولارات قبل الحرب.


وبعد كل هذه التقارير، واستغاث الأطفال وأمهاتهم، ومشاهد الموت جوعا، كيف يمر عليها العالم، ولا يقاتل من أجل إنهاء الظلم؟ كيف يعود الناس إلى موائدهم مع عائلاتهم؟ ألا تحرك هذه المشاهد ضمائرهم؟ وماذا لو كان ابنك هو الذي يحتضر جوعا أمام ناظريك؟
إنني لا أؤمن بالعجر ولا بالكسل، وقد علمنا النبي التعوذ منهما، فكل منا: أفراد ومؤسسات وهيئات وشعوب، قادرون على أن نفعل الكثير، وإلا كنا غثاء، لا قيمة لنا، وحينها لسنا من أمة النبي الكريم، الذي لا يقبل الذلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *