حبلهم مع الناس يوشك أن يقطع

قال تعالى متحدثا عن اليهود: “ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ” (آل عمران:112)، الملاحظ على هذه الآية، أنه ليس لليهود عزة ذاتية، فالعزة التي يعيشوها إما بحبل من الله، أو حبل من الناس، كما قال الشيخ محمد متولي الشعراوي -رحمه الله-.
وحبل الله هو: الإسلام، ويعضد هذا قول الله تعالى: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا”، والإسلام يطبقه على الأرض الأنبياء وأتباعهم، والمعنى: أنه لما حكم المسلمون، وقامت دولة الإسلام في المدينة المنورة، أمنهم رسول الله ﷺ، فعاشوا حياة عزيزة، ضمنها لهم الإسلام، بموجب المعاهدة التي بينهم وبين المسلمين، فلما خانوا، نالتهم الذلة التي استحقوها.

أما حبل الناس فهو:

الحلف الاستراتيجي بينهم وبين الدول، التي تجتهد في خدمتهم وتنفيذ مخططاتهم، كما هو الحال الآن.
أما لماذا حقت عليهم تلك الذلة؟ فيتضح من تمام الآية: “ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ”.
وإذا عدنا إلى العهود الغابرة، نجد أنه في عهد النبيين داود وسليمان -عليهما الصلاة والسلام-، كانت لليهود دولة موحدة، وبعد وفاة سيدنا سليمان -عليه الصلاة والسلام- انقسمت مملكته إلى دولتين متحاربتين غالبا، وعاشتا فسادا داخليا وضعفا عسكريا.


ثم كانت محاولة أحد قادة اليهود، وهو )جوزياس (لاستعادة الدولة الموحدة، وخاض معركة ضد الفراعنة، فهزم وقتل في المعركة، فانهار مشروعه السياسي، وهو مشروع الوحدة بين الدولتين، وأصبحت فلسطين مقاطعة تابعة لمصر، ثم لم يدم ذلك طويلا؛ إذ انتصر نبوخذ نصر على الفراعنة، وحكم فلسطين، وكان السبي البابلي، بعد أن انقطع حبلهم مع الناس، وهم الفراعنة في ذلك الوقت.

اليوم كيف يمكن أن ينتهي كيان الاحتلال:

والإجابة للدكتور عبد الوهاب المسيري: يوجد عنصران أساسيان يحافظان على وجود الاحتلال الإسرائيلي، هما: الدعم الأمريكي بلا حدود، والغياب العربي بلا حدود.
أما الغياب العربي فلا زال على حاله، أما الدعم الأمريكي ففيه كلام، ذلك أن تغيرا يطرأ على طبيعة العلاقة بين ترامب ونتنياهو، وبالطبع لن ينهي الدعم الأمريكي للاحتلال، ولن يؤدي إلى تغير استراتيجي في العلاقة، لكن ذلك التعارض في المواقف، قد يمنح مساحات للحراك الأوروبي.
الحالة الشعبية المتنامية في أوروبا، تضامنا مع فلسطين، وبغضا للسياسات الإسرائيلية، أمر لم نشهده من قبل، بل وكان غير متوقع لنا جميعا، فنحن أهل غزة؛ ربما في غالبنا كنا نظن أن يكون من عالمنا العربي والإسلامي، أما الاحتلال الإسرائيلي فلم يكن يتوقع تلك الحالة، من دول ترتبط معه حكوماتها باتفاقيات وتحالفات.


ثم ارتقى ذلك العداء، ليصل إلى مواقف وإجراءات من عديد حكومات أوروبا، تتمثل في منع تصدير السلاح، وفرض عقوبات اقتصادية، بعدما اتسعت الفجوة بين حكومات تلك الدول، وقطاعات واسعة من الرأي العام هناك، وهو ما يشكل ضغطا على الحكومات، وخشية انعكاس الحراك الجماهيري، على مستقبل الأحزاب والحكومات.


ودون تهويل أو تهوين، فإن الواقع يشير إلى تزايد تضامن الرأي العام الأوروبي، وسيخسر معه الاحتلال أرضا كان يعتبرها ملعبه لزمن طويل، سواء كان ذلك من رغبة حقيقة من حكومات غربية بمعارضة السياسات الإسرائيلية، أو رغما عنها (وليس لسواد عيون الشعب الفلسطيني)، وإنما تحت الضغط الشعبي. ولا ريب أن عنجهية الحكومة الإسرائيلية، ستزيد هذه الفجوة بينها وبين العالم، وليس أدل على ذلك من حادثة إطلاق النار، على الوفد الدبلوماسي، الذي ضم سفراء وقناصل دول عربية وأجنبية في جنين.


وعليه؛ عندما تتعارض مصالح الاحتلال الإسرائيلي من جهة، وداعميه من الولايات المتحدة وأوروبا وغيرهم من جهة أخرى، ويكون ذلك الدعم خطرا على وجود المؤيدين للاحتلال وسياساته، فإنهم سيؤثرون وجودهم على وجوده، وسينقطع حبلهم مع الناس، ولا أظن ذلك بعيدا، لكنه لا يعني أشهرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *